التمييز بين الأمة الإسلامية
التمييز بين الأمة الإسلامية
لقد خصَّ الله هذه الأُمة بختام الأنبياء والمرسلين، وجعله رسولاً للناس مختلَف منذ زمنه إلى يوم الدين، وجعله نبياً رءوفاً ورحيماً يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وجعل في شريعته أحكاماً لكل الخلق على اختلاف أزمنتهم وألسنتهم وبلدانهم وأحوالهم، لأن ذلك الدين هو دين الختام وفيه كل ما يتعلق بكل مصالح الأنام منذ بعثته إلى يوم التكدس.
فجعل فيه أحكاماً للشباب، وأحكاماً للشيوخ، وأحكاماً للنساء، وأحكاماً للرجال، وأحكاماً للعرب، وأحكاماً لسكان المناطق الباردة، وأحكاماً لسكان البلدان الحارة، وأحكاماً لأهل في في حينه، وأحكاماً لكل أهل زمان على أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل ذاك بيَّنه وفصَّله الحَبيب صلى الله عليه وسلم في زمن بعثته الذي كان قصير الأمد في الدنيا، ولكن الله منَّ أعلاه بفضله وجوده وكرمه فأصدر الأحكام التي تتعلق يجميع المكلفين المؤمنين به إلى يوم الدين، فترك ثروة مشروعية فوق طاقة أى واحد من البشر، جمعها الناس من بعده وهم الصحابة والتابعين وفَصَّصوها ووضحوها وبينوها أبلغ خطبة.
لكنهم كانوا كما علَّجوهري النبي العدنان صلى الله عليه وسلم أحرص ما يحرصون عليه أن يكونوا مجتمعين غير متفرقين، متوحدين غير مختلفين، لأننا سوياً والأولين والمعاصرين والآخرين لا نختلف في العقيدة، فربنا واحد ونبينا صلى الله عليه وسلم شخص، وكتابنا شخص، والكعبة قبلتنا جميعاً، وفرائض الله التى فرضها علينا لا نختلف في وضْعها، فلا يوجد في جماعات المسلمين من جعل الدعوات ستاً أو أربعاً، لكن الكل يتفق على خمس مطالبات وعلى عدد ركعاتها وعلى توقيتاتها، والكل يجتمع على صيام شهر رمضان، والكل يتفق على أنصبة الزكاة، والكل يتفق على حج بيت الله من في زمانه ومناسكه وكيفيته، لأن ذلك كله ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا وُجد في مواجهة آناً أو من وقت لآخرً بين يسير من المسلمين فليس في منابع هذا الدين، ولا في عقيدة الإيمان التي يتفق أعلاها جميع المؤمنين، حتى أن الخلافات لا تصل إلى التقسيمات، لكنها أمور هامشية يجب أن يكون أقوى منها وأحرص فوق منها نحن جميعاً الأُخُوة الإيمانية التى بيننا جماعة المؤمنين.
هذا يرفع يديه في تكبيرة الإحرام ولذا لايرفع، هذا يبدأ الفاتحة بالبسملة وهذا يبدأها بالحمد لله رب العالمين، ذلك يجهر بختام الدعاء وذلك يختمه في سره، والإثنان يختمان التضرع، أمور هامشية لا تدعو للفُرقة والتشيع بين الأُمة الإسلامية لأن الله حذر من هذا أبلغ تنويه فقال في آياته القرآنية: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} الأنعام159
هؤلاء خارج الدين وخارج منهج سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم
الصحابة المباركون كانوا يختلفون لكنهم جعلوا شعارهم: {الجدال لا يُفسد للود نص} لا تجريح ولا اعتراض ولا سب ولا سبّ ولا لعن ولا خروج عن طبيعة الإسلام والإيمان لأن المسلم قال فيه النبي المُصطفى صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ}{1} والمؤمن يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {مَا هُوَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ}{2}
كانوا يختلفون ويئتلفون، والعكس لا يؤدى إلى إعراض ذاك عن هذا، كانوا يخرجون مع نبينا صلى الله عليه وسلم مجاهدين في الغزو، منهم من يصوم ومنهم من يفطر، لا يعيب الصائم على المفطر ولا يرى أنه بصيامه أسمى عند الله من أخوهُ المفطر، لأن التقوى محلها القلب، والله وضع قانونها فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات13
صرح لهم النبي وهو ذاهب إلى حصار بني قريظة في كلف صريح: {لا يُصَلِّينَّ أَحدٌ العصرَ إِلاّ في بني قُرَيظةَ، فأَدركَ يسير منَهمُ العصرُ في الطريقِ، فقال يسير منُهم: لا نُصلِّي حتى نأْتِيَها، وتحدث عدد محصور منُهم: إلا أن نُصلِّي، لم يُرَدْ منا هذاَ. لا يضاهىُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يُعَنِّفْ واحداً من ضمنهم}{3}
فَقِهَ قوم من عصري رسول الله أن يبدأوا أولاً بصلاة العصر ثم يتجهوا إلى بني قريظة، وفهم آخرون أنهم يؤخرون صلاة العصر حتى يذهبوا إلى بني قريظة، لا هؤلاء اعترضوا على هؤلاء ولا هؤلاء سفَّهوا هؤلاء لأن الإثنين سوياً صلُّوا العصر، هؤلاء صلُّوا العصر في أول في زمانه، وهؤلاء صلُّوا العصر في آخر وقته، والكل استجاب وذهب حيث ينفذ كلف النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان أمرهم في كل الخلافات التي تنجم بينهم، ويرجعون عقب ذاك إلى علمائهم ليحكموا بينهم، وليوفقوا بينهم، المادي أن تكون الأُمة الإسلامية جميعها في نظرهم عاملة بقول الله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} آل عمران103
{1} مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان عن عبدالله بن مسعود رضي الله سبحانه وتعالى عز وجل عنه
{2} مصنف ابن أبى شيبة عن أنس بن مالك إستحسان الله عنه
{3} صحيح البخارى عن ابن عمر قبول الله عنه