الداعية لا يكره أحداً، لا يكره الكافر ولكنه يكره كفره، ولا يكره الفاسق ولكن يكره فسقه، ولا يكره الظالم ولكنه يكره ظلمه، ولا يكره الملحد ولكنه يكره إلحاده وجحوده لربه ومولاه الحق سبحانه.
ولو كره الداعية الكافر والظالم والعاصي والفاسق والملحد لما دعاهم لترك ما هم عليه واللحاق بركب الإيمان والطاعة.
ولو كره الرسول “صلي الله عليه وسلم” عمر بن الخطاب إبان شركه وكفره ما دعاه إلى الإسلام، وما دعا له بالهداية وما سمعنا قولته الشهيرة:”اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين”، لقد رأى فيه رجولة وشهامة وقوة وفكراً وعقلاً فأراد أن يوجهه لخدمة الإسلام، فاستجاب الله لدعائه.
ولو كره الرسول “صلي الله عليه وسلم” خالد بن الوليد ما دعاه إلى الإسلام بعد أن كان سبباً في هزيمة المسلمين في أحد حينما كان قائداً لفرسان المشركين ” أي قواتهم المدرعة “ولكن الرسول”صلي الله عليه وسلم” أرسل رسالة رائعة لخالد يستميله فيها للإسلام ويرغبه فيها، وقد ذكر حجة الإسلام الغزالي مثل هذا المعني ” أنك تكره كفر الكافر ولا تكره شخصه”.
ونحن اليوم نتحدث عن تعامل الداعية مع العصاة نود أن يستحضر الدعاة أن الهداية ليست بعيدة عن أحد .. وأن الرجل قد يمسى وهو من أهل النار فيصبح وهو من أهل الجنة والعكس كما ورد في الحديث الشريف، وقد يتحول أشد الناس عداوة للدين والإسلام إلي هداه وقد يصبحوا من أئمة الهدي .
فهذا عمر بن الخطاب يهدد بقتل الرسول ويقول عنه بعض الصحابة:”لن يسلم ابن الخطاب حتي يسلم حمار الخطاب “مستبعداً هدايته ورشده، فإذا به يصبح من أئمة الإسلام وأحد وزراء الرسول”صلي الله عليه وسلم ثم أعظم حكام الأرض والخليفة الراشد الثاني المشهور بالعدل والتواضع، وما بين حالته الأولي والثانية عدة أشهر.
وهذا خالد بن الوليد الذي قاد المشركين للنصر في أحد وكان عنيداً جداً يوم صلح الحديبية إذا به يتحول بين عشية وضحاها إلي سيف الله المسلول وأعظم قائد عسكري في تاريخ الإسلام كله .
وهذا عكرمة بن أبي جهل الفارس المغوار الذي ظل يكره الإسلام ورسوله ويحاربهما لسنوات طويلة يصبح من أعظم قادة الإسلام وقائد إحدى الجيوش التي أرسلها الصديق لمحاربة الردة .. وهذا أبو سفيان زعيم قريش يتحول مع ابنه وزوجته إلي الإسلام، ويقيم بنو أمية الخلافة الأموية التي امتدت قروناً .
فعلي الدعاة ألا يغتروا بطاعتهم أو يحتقروا عاصياً لمعصيته أو مذنباً لذنبه وأن يحمدوا الله علي الهداية والعافية، وأن يدركوا أن الهداية هبة ربانية ونعمة إلهية قبل كل شيء، وعلي الدعاة أن يعيشوا مع قوله تعالي” وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ “
وعلي الدعاة أن يدركوا أن هناك فرقاً كبيراً بين الاعتزاز بالدين والإيمان والطاعة وبين الاستعلاء علي الآخرين، وأن القرآن تحدث عن أنبياء الله ورسله هود وصالح وشعيب وخطابهم لأقوامهم وأنهم كانوا يخاطبون قومهم بمنطق ولسان المحبة والأخوة حتي قبل أن يسلموا، ” وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ” وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ” وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ” فهو أخوهم حتي قبل أن يسلموا، ألم يقل الرسول “صلي الله عليه وسلم” لقومه قبل أن يسلموا، إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت على الناس جميعًا ما كذبتكم ” .
فالداعية من الناس وبهم، وهم منه وبه، ولعل عاصي اليوم يكون داعية الغد، ولعل مذنب اليوم يصبح إماماً من أئمة الهدي، ألم يتحول إبراهيم بن أدهم من طريق المعصية إلي الإمامة في الدين .
وعلى الداعية أن يعلم أن دموع التائبين وآهاتهم أحب إلي الله من تسبيح المسبحين الذين يدورون حول ذواتهم أو يرون أنفسهم أو يستطيلون بطاعاتهم علي الناس، فـ”ذنب تذل به لديه سبحانه خير من طاعة تمن بها علي الله “.
وعليهم أن يعلموا أن بني البشر جميعاً ومنهم الدعاة أنفسهم لا ينفكون أبداً عن معصية ظاهرة أو باطنه فـ”كل بني آدم خطاء”، ولربما كانت معصية بعض العصاة الظاهرة أهون عند الله من معصية بعض الدعاة الباطنة .