تطوير الخطاب الديني .. لماذا وكيف ؟

0

تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة المطالبة بـ تطوير الخطاب الديني ، وهذا أمر يحتاج إلى إيضاح، وتفسير مؤسس على تدقيق معرفي في تحديد المصطلحات ورسم الأهداف والمآلات؛ حتى تتضح الرؤية في هذا الأمر . لم يكن جديدًا على الأسماع تناول هذه القضية أو احتدام النقاش حولها، فما كتب وقيل وسيقال حولها كثير… وهذا لا يقلل من أي جهد تناول هذا الأمر . بداية كان هذا مهاد معرفي يرسم لنا خريطة بسيطة لتناول تلك القضية، فهي رغم تشعبها إلا أنه يمكن حسم الأمر فيها بصورة موضوعية ودقيقة، فالقضية لا تتعلق بتطوير الخطاب الديني فحسب، وإنما تمتد بصورة مباشرة إلى أعماق التراث الذي هو ثمرة جهود

علمائنا الأجلاء. الحقيقة ” إن علماء الإسلام قد خلفوا لنا تراثًا علميًا ضخمًا، متعدد المناحي، وما يزال معظم هذا التراث مخطوطًا لم ير النور، ولم يتعرف عليه الباحثون، رغم ما فيه من المعاني الدقيقة والأفكار العميقة التي تخدم واقعنا المعاصر وتنير السبل لأمتنا في مجالات الفكر والتشريع والثقافة، يقدر بعض الخبراء ما بقي مخطوطًا من تراث علماء الإسلام بما يربو على ثلاثة ملايين عنوان، تقبع في زوايا المكتبات، وظلام الصناديق والأقبية، حتى إن بعضها لم يُفهرس فهرسة دقيقة فضلًا عن النشر، فكان من المهم في هذه المرحلة أن تتجه الجهود لتقويم هذا التراث واستجلاء ما ينفع الناس منه في عصرنا، ثم العمل على تحقيقه

ونشره”.(1) الأهمية البحثية إن تراث أي أمة هو عنوان أصالتها ومجد حضارتها، وهو بالضرورة يرسم صورة المستبقل، لهذا فإن قضية التطوير التي نحن بصددها ليست جديدة في طرحها أو تناولها، فقد تناقلها علماء الأمة منذ فترات عديدة خصيصًا في العصر الحديث، تحت مسميات مختلفة كالتجديد والإصلاح ، أمثال: “جمال الدين الأفغاني” و”محمد عبده” و”محمد رشيد رضا“، وغيرهم كثيرين… كل هؤلاء العلماء لهم جهودهم ومناهجهم المتنوعة في هذا الصدد الذي يحتاج إلى بسط بصورة كبيرة في أماكن أخرى

، ليس هذا محلها . الهدف البحثي إن الذي نريد بحثه والوقوف عليه في هذه الورقة هي قضية ” تطوير الخطاب الديني”، ليس قضية التجديد بصورة مطلقة، وقبل ذلك فإن ضبط المصطلحات يحدد لنا الهدف الذي نريد الوصول إليه، فثمة فارق بين تجديد الدين وتجديد الخطاب الديني، كذلك بين تطوير الدين وتطوير الخطاب الديني.. فالأولى تعني التدخل في النصوص التي لا يجوز التدخل في متنها ( القرآن – السنة النبوية الصحيحة)، أما الثانية فتعني النقاش والتحاور حول مفهومات تلك النصوص، وهذا محل الشاهد في القضية . الإشكالية البحثية إن السؤال المطروح في هذه الورقة والذي ينهض النقاش حوله، هو ضبط مسالة المقصود بـ”

تطوير الخطاب الديني “، وكيفية تحقيق ذلك.. هذا لا يكون إلا بتحرير المصطلحات ورسم صورة واضحة حول هذه القضية ومنطلقاتها، وكيف يتم التأسيس لها ،حتى لا يحدث خلط أو تداخل بين الأمور . منهج الدراسة تقوم هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي القائم على رصد الظاهرة وتعقبها طبق رؤية تتعلق بكيفية الاستدال وفق المنهج الذي رسمه القرآن والسنة النبوية في تأسيس المسائل والأحكام، خصوصًا المسائل المتعلقة بالتطوير والتجديد. تقسيم البحث أولًا: مفهوم تطوير الخطاب الديني ثانيًا: بواعث تطوير الخطاب الديني لماذا تطوير الخطاب الديني ؟ أهداف تطوير الخطاب الديني كيف يمكننا تطوير الخطاب

الديني؟ الخاتمة والتوصيات المصادر والمراجع الفهرس أولًا: مفهوم تطوير الخطاب الديني يقول ابن فارس : ” الطاء والواو والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الامتداد في شيء من مكان أو زمان، من ذلك طوار الدار هو الذي يمتد معها من فنائها، لذلك [يقال] عدا طوره، أي جاز الحد الذي هو له من داره. ثم استعير ذلك في كل شيء يتعدى. والطور: جبل، فيجوز أن يكون

اسما علما موضوعا، ويجوز أن يكون سمي بذلك لما فيه من امتداد طولا وعرضا. ومن الباب قولهم: فعل ذلك طورا بعد طور، فهذا هو الذي ذكرناه من الزمان، كأنه فعله مدة بعد مدة. وقولهم للوحشي من الطير وغيرها: طوري وطوراني، فهو من هذا، كأنه توحش فعدا الطور، أي تباعد عن حد الأنيس”(2). هكذا يرصد لنا ابن فارس الدلالة اللغوية للجذر اللغوي طور، وأنها تعني الأمتداد، وهو بهذا يؤكد لنا إن قضية التطوير يحتاجها كل عصر بما يناسبة، ويتوافق مع المقتضيات التي يفرزها الواقع، وفي هذا فإن ” قيمة العالم تتجلي في معرفته بالشواهد واستخراجه لها من الكلام الفصيح واستحضاره إياها عند الحاجة “(3)، كما نؤسس ونقول الآن في قضية تطور الخطاب الديني. ويرى أستاذنا “أحمد مختار عمر”: أن التطوير هو التغيير من حال إلى حال أفضل، وهذا يتوافق مع حالة الدين والعقل، فـ ” طور يطور، تطويرا، فهو مطور، والمفعول مطور، طور المصنع: عدله وحسنه، ونقله من حال إلى حال أفضل “طور أسلحته- طور الوزير المستشفيات- سعت الدولة بجهود مكثفة لتطوير التعليم“(3) هذه حقيقة مؤكدة بالنصوص الشرعية

والبراهين العلقية، فالإسلام نصوصه مطورة ذاتيًا وهذا من ديناميكته الخالدة، والعقل دائمًا يتطلع إلى الأفضل، وهذا أساس عملية التطوير التي ننشدها، وهذا يستطيع إدركه نبهاء الناس، والمحققين من العلماء والمجددون، ” وقد ألمح “عبدالقاهر الجرجاني” إلى ضرورة أن يتسم طالب التحقيق بإمعان النظر وتقصي الشواهد وعدم الاقتصار على أمثلة تذكر ونظائر تعد ” (4) فحقيقة

التطوير ليست مجرد سياق نصوص ووقائع تدل على أن الإسلام متطور، وإنما عملية قراءة للنصوص وكيفية الاستشهاد بها ، وهذا يعني ” إعادة إنتاج للنص المستشهد به” ، بمعنى أن الأستشهاد يصبح تناصيًا حين يعمد المؤلف إلى تضمين أجناس شاهدة في حقول معرفية متنوعة يبثها في ثنايا مؤلفه، هذه الشواهد إما مؤسسة لمضامين قديمة فهي عبارة عن إثباتات، وإما مؤسسة لأخرى جديدة سواءً استخلصها المؤلف بتأويل أو قراءة إبداعية مستكشفة ومستنبطة من خلال تأمل الشواهد ، أو استخراجها المتلقي فهي بين الإثبات والتمثيل ” (5). هكذا يمكننا القول إن تطوير الخطاب الديني هو الانتقال به من حالة كانت مناسبة لمرحلة معينة أو حقبة معينة إلى حالة أخرى تناسب المرحلة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

× راسلنا على الواتس